فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} من النداء الذي هو الاستغاثة؛ ودعا قيل بمسألة هلاك قومه.
فقال: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّارًا} [نوح: 26].
{فَلَنِعْمَ المجيبون} قال الكسائي: أي {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبونَ} له كنا.
{وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} يعني أهل دينه، وهم من آمن معه، وكانوا ثمانين على ما تقدّم.
{مِنَ الكرب العظيم} وهو الغرق.
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} قال ابن عباس: لما خرج نوح من السفينة مات مَن معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه؛ فذلك قوله: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين}.
وقال سعيد بن المسيّب: كان ولد نوح ثلاثة والناس كلّهم من ولد نوح: فسام أبو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى.
وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب: السند والهند والنوب والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم.
ويافث أبو الصقالبة والترك واللان والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك.
وقال قوم: كان لغير ولد نوح أيضا نسل؛ بدليل قوله: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3].
وقوله: {قِيلَ يانوح اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وعلى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود: 48] فعلى هذا معنى الآية: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} دون ذرية من كفر فإنا أغْرَقنا أولئك.
قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} أي تركنا عليه ثناءً حسنًا في كل أمة، فإنه مُحبَّب إلى الجميع؛ حتى إن في المجوس من يقول إنه أفريدون.
روي معناه عن مجاهد وغيره.
وزعم الكسائي أن فيه تقديرين: أحدهما {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ} يقال: {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ} أي تركنا عليه هذا الثناء الحسن.
وهذا مذهب أبي العباس المبرّد.
أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية؛ يعني يسلمون عليه تسليمًا ويدعون له؛ وهو من الكلام المحكي؛ كقوله تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا} [النور: 1].
والقول الآخر أن يكون المعنى وأبقينا عليه؛ وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ} أي سلامة له من أن يذكر بسوء {في الآخِرِينَ}.
قال الكسائي: وفي قراءة ابن مسعود {سلامًا} منصوب ب{تركنا} أي تركنا عليه ثناء حسنًا سلامًا، وقيل: {في الآخِرِينَ} أي في أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: في الأنبياء إذ لم يبعث بعده نبيّ إلا أمر بالاقتداء به؛ قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13].
وقال سعيد بن المسيّب: وبلغني أنه من قال حين يمسي {سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين} لم تلدغه عقرب.
ذكره أبو عمر في التمهيد.
وفي الموطأ عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نزل منزلًا فليقل أعوذ بكلمات اللّه التامَّاتِ من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل».
وفيه عن أبي هريرة أن رجلًا من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أي شيء» فقال: لدغتني عقرب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات اللّه التامات من شر ما خلق لم تضرّك».
قوله تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} أي نبقي عليهم الثناء الحسن.
والكاف في موضع نصب؛ أي جزاء كذلك.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} هذا بيان إحسانه.
قوله تعالى: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين} أي من كفر. وجمعه أُخر.
والأصل فيه أن يكون معه {مِن} إلا أنها حذفت؛ لأن المعنى معروف، ولا يكون آخرًا إلا وقبله شيء من جنسه.
{ثمّ} ليس للتراخي ها هنا بل هو لتعديد النعم؛ كقوله: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ} [البلد: 16- 17] أي ثم أخبركم أني قد أغرقت الآخرين، وهم الذين تأخروا عن الإيمان. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} نوعُ تفصيلٍ لما أُجمل فيما قبل ببيان أحوال بعض المرسلين وحسنِ عاقبتهِم متضمِّنٍ لبيان سوء عاقبة بعض المُنذرين حسبما أُشير إليه بقوله تعالى: {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} كقوم نوحٍ وآل فرعونَ وقوم لوطٍ وقوم إلياسَ ولبيان حُسن عاقبةِ بعضهم الذين أخلصُهم الله تعالى ووفَّقهم للإيمان كما أشار إليه الاستثناء كقوم يونسَ عليه السَّلامُ ووجه تقديم قصَّةِ نوحٍ على سائر القصص غنيٌّ عن البيان. واللاَّمُ جواب قسم محذوفٍ وكذا ما في قوله تعالى: {فَلَنِعْمَ المجيبون} أي وباللَّهِ لقد دعانا نوحٌ حين يئسَ من إيمان قومه بعدما دعاهُم إليه أحقابًا ودُهُورًا فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارًا ونُفورًا فأجبناه أحسنَ الإجابةِ فواللَّهِ لنعم المُجيبون نحن فحُذف ما حُذف ثقةً بدلالة ما ذُكر عليه والجمع دليلُ العظمةِ والكبرياءِ.
{ونجيناه وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم} أي من الغَرقِ وقيل من أذيةِ قومه.
{وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الباقين} فحسب حيثُ أهلكنا الكفرة بموجب دعائه {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّارًا} وقد رُوي أنَّه ماتَ كلُّ من كانَ معه في السَّفينةِ غير أبنائه وأزواجهم أو هم الذين بقوا مُتناسلين إلى يوم القيامة. قال قتادة: النَّاسُ كلُّهم من ذُرِّيةِ نوحٍ عليه السَّلامُ وكان له ثلاثةُ أولادٍ سامٌ وحامٌ ويافثٌ، فسامٌ أبُو العربِ وفارسَ والرُّومِ، وحامٌ أبُو السودانِ من المشرق إلى المغربِ ويافثٌ أبو التُّركِ ويأجوجَ ومأجوجَ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الاخرين} من الأمم {سلام على نُوحٍ} أي هذا الكلامُ بعينه وهو واردٌ على الحكاية كقولك قرأتُ سورة أنزلناها والمعنى يُسلِّمون عليه تسليمًا ويدعُون له على الدَّوام أمَّةً بعد أمَّةٍ. وقيل ثمة قولٌ مقدَّرٌ أي فقلنا وقيل ضُمِّن تركنا معنى قلنا. وقوله تعالى: {فِى العالمين} متعلِّقٌ بالجارِّ والمجرورِ. ومعناهُ الدُّعاء بثباتِ هذه التَّحيةِ واستمرارِها أبدًا في العالمين من الملائكة والثَّقلينِ جميعًا. وقوله تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} تعليلٌ لما فُعل به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من التَّكرمةِ السَّنيةِ من إجابةِ دُعائهِ أحسنَ إجابةٍ وإبقاء ذُرِّيتهِ وتَبقيةِ ذكره الجميلِ وتسليم العالمين عليه إلى آخرِ الدَّهرِ بكونه من زُمرة المعروفين بالإحسان الرَّاسخينَ فيه وأنَّ ذلك من قبيل مُجازاة الإحسانِ بالإحسانِ وذلك إشارة إلى ما ذُكر من الكرامات السَّنيةِ التي وقعتْ جزاءً له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وما فيه من معنى البُعد مع قُربِ العهد بالمشارِ إليه للإيذانِ بعلوِّ رُتبته وبُعد منزلتهِ في الفضل والشَّرفِ. والكافُ متعلِّقةٌ بما بعدها أي مثلَ ذلك الجزاءِ الكامل نجزِي الكاملينَ في الإحسانِ لا جزاءً أدنى منه. وقوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} تعليل لكونهِ من المحسنين بخلوصِ عبوديته وكمال إيمانه وفيه من الدِّلالةِ على جلالة قدرهما ما لا يخفى.
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الاخرين} أي المغايرين لنوحٍ وأهله وهُم كُفَّارُ قومه أجمعين. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} نوع تفصيل لما أجمل فيما قبل ببيان أحوال بعض المرسلين وحسن عاقبتهم متضمن لبيان سوء عاقبة بعض المنذرين كقوم نوح عليه السلام ولبيان حسن عاقبة بعضهم الذين أخلصهم الله تعالى أو أخلصوا دينهم على القراءتين كقوم يونس عليه السلام، وتقديم قصة نوح عليه السلام على سائر القصص غي عن البيان، ونداؤه عليه السلام يتضمن الدعاء على كفار قومه وسؤاله النجاة وطلب النصرة، واللام واقعة في جواب قسم محذوف، وكذا ما في قوله تعالى: {فَلَنِعْمَ المجيبون} والمخصوص بالمدح فيه محذوف والفاء فصيحة أي وتالله لقد دعانا نوح حين أيس من إيمان قومه بعد أن دعاهم أحقابًا ودهورًا فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارًا ونفورًا فأجبناه أحسن الإجابة فوالله لنعم المجيبون نحن فحذف ما حذف ثقة بدلالة ما ذكر عليه، والجمع للعظمة والكبرياء وفيه من تعظيم أمر الإجابة ما فيه؛ وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في بيتي فمر بهذه الآية {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المجيبون} قال: صدقت ربنا أنت أقرب من دعى وأقرب من بغي فنعم المدعو ونعم المعطى ونعم المسؤل ونعم المولى أنت ربنا ونعم النصير».
{وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)}.
الغرق على ما روى عن السدي، وقيل: أذى قومه ولا مانع من الجمع، والكرب على ما قال الراغب: الغم الشديد، وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر فالغم يثير النفس إثارة ذلك، ويصح أن يكون من كربت الشمس إذا دنت للمغيب وقولهم إناء كربان نحو قربان أي قريب من الملء أو من الكرب وعو عقد غليظ في رشاء الدلو، وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب.
{وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الباقين} فحسب حيث أهلكنا الكفرة بموجب دعائه {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّارًا} [نوح: 26] وقد روى أنه مات كل من في السفينة ولم يعقبوا عقبًا باقيًا غير أبنائه الثلاث سام وحام ويافث وأزواجهم فإنهم بقوا متناسلين إلى يوم القيامة.
أخرج الترمذي وحسنة.
وابن سعد.
وأحمد.
وأبو يعلى.
وابن المنذر.
وابن أبي حاتم.
والطبراني.
والحاكم وصححه عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم» وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه، نعم أخرج البزار. وابن أبي حاتم. والخطيب في تالي التلخيص عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولد نوح ثلاثة: سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والسودان» ولا أعرف حال الخبر، والأكثرون على أن الناس كلهم في مشارق الأرض ومغاربها من ذرية نوح عليه السلام ولذا قيل له آدم الثاني.
وإن صح أن لكنعان المغرب ولدًا في السفينة لا يبعد إدراجه في الذرية فلا يقتصر على الأولاد الثلاثة، وعلى كون الناس كلهم من ذريته عليه السلام استدل بعضهم بالآية.
وقالت فرقة: أبقى الله تعالى ذرية نوح عليه السلام ومد في نسله وليس الناس منحصرين في نسله بل من الأمم من لا يرجع إليه حكاه في البحر، وكأن هذه الفرقة لا تقول بعموم الغرق، ونوح عليه السلام إنما دعا على الكفار وهو لم يرسل إلى أهل الأرض كافة فإن عموم البعثة ابتداء من خواص خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ووصول خبر دعوته وهو في جزيرة العرب إلى جميع الأقطار كقطر الصين وغيره غير معلوم.
والحصر في الآية بالنسبة إلى من في السفينة ممن عدا أولاده وأزواجهم فكأنه قيل: وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية من معه في السفينة وهو لا يستلزم عدم بقاء ذرية من لم يكن معه وكان في بعض الأقطار الشاسعة التي لم تصل إليها الدعوة ولم يستوجب أهلها الغرق كأهل الصين فيما يزعمون، ويجوز أن تكون قائلة بالعموم وتجعل الحصر بالنسبة إلى المغرقين وتلتزم القول بأنه لم يبق عقب لأحد من أهل السفينة هو من ذرية أحد من المغرقين أي وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية أحد غيره من المغرقين، وولد كنعان إن صح وصح بقاء نسله داخل في ذريته والله تعالى أعلم.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)}.
في الباقين غابر الدهر.
{سلام على نُوحٍ} مبتدأ وخبر وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى الدعاء، والكلام وارد على الحكاية كقولك: قرأت {سُورَةٌ أنزلناها} [النور: 1] وهو على ما قال الفراء وغيره من الكوفيين محكى بترك في موضع نصب بها أي تركنا عليه هذا الكلام بعينه.
وقال آخرون: هو محكي بقول مقدر أي تركنا عليه في الآخرين قولهم سلام على نوح، والمراد أبقينا له دعاء الناس وتسليمهم عليه أمة بعد أمة، وقيل: هذا سلام منه عز وجل لا من الآخرين، ومفعول {تَّرَكْنَا} محذوف أي تركنا عليه الثناء الحسن وأبقيناه له فيمن بعده إلى آخر الدهر، ونسب هذا إلى ابن عباس.
ومجاهد.
وقتادة.
والسدي؛ وجملة {سلام على نُوحٍ} معمول لقول مقدر على ما ذكر الخفاجي أي وقلنا سلام الخ، وقال أبو حيان: مستأنفة سلم الله تعالى عليه عليه السلام ليقتدي بذلك البشر فلا يذكره أحد بسوء، وقرأ عبد الله {سَلاَمًا} بالنصب على أنه مفعول {تَّرَكْنَا} وقوله تعالى: {فِى العالمين} متعلق بالظرف لنيابته عن عامله أو بما تعلق الظرف به.
وجوز كونه حالًا من الضمير المستتر فيه، وأيًا ما كان فهو من تتمة الجملة السابقة وجيء به للدلالة على الاعتناء التام بشأن السلام من حيث أنه أفاد الكلام عليه ثبوته في العالمين من الملائكة والثقلين أو أنه حال كونه في العالمين على نوح.
وهذا كما تقول سلام على زيد في جميع الأمكنة وفي جميع الأزمنة.
وزعم بعضهم جواز جعله بدلًا من قوله تعالى: {فِى الاخرين} ويوشك أن يكون غلطًا كما لا يخفى.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} تعليل لما فعل به مما قصه الله عز وجل بكونه عليه السلام من زمرة المعروفين بالإحسان الراسخين فيه فيكون ما وقع من قبيل مجازاة الإحسان بالإحسان، وإحسانه مجاهدته أعداء الله تعالى بالدعوة إلى دينه والصبر الطويل على أذاهم ونحو ما ذكر وذلك إشارة إلى ما ذكر من الكرامات السنية التي وقعت جزاء له عليه السلام، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الفضل والشرف، والكاف متعلقة بما بعدها أي مثل ذلك الجزاء الكاملين في الإحسان لإجزاء أدنى.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} تعليل لكونه عليه السلام محسنًا المفهوم من الكلام بخلوص عبودتيه وكمال إيمانه، وفيه من الدلالة على جلالة قدرهما ما لا يخفى وإلا فمنصب الرسالة منصب عظيم والرسول لا ينفك عن الخلوص بالعبودية وكمال الايمان فالمقصود بالصفة مدحها نفسها لا مدح موصوفها.
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)} أي المغايرين لنوح عليه السلام وأهله وهم كفار قومه أجمعين، وثم للتراخي الذكري إذ بقاؤه عليه السلام ومن معه متأخر عن الإغراق {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ} أي ممن شايع نوحًا وتابعه في أصول الدين. اهـ.